مِن نُكَتِ القرآن
قابيل وهابيل
(واتلُ عليهم نبأ ابنَي آدمَ بالحقّ إذْ قَرّبا قُربانًا فتُقبّلَ مِن أحدِهما ولم يُتقبّلْ مِنَ الآخر قالَ لأقتلنّكَ قالَ إنّما يَتقبّلُ اللهُ مِنَ المُتّقينَ. لئن بَسطتَ إليّ يدَكَ لتقتلَني ما أنا بباسطٍ يدِيَ إليكَ لأقتلَكَ إنّي أخافُ اللهَ ربَّ العالَمينَ. إنّي أريدُ أنْ تَبوءَ بإثمي وإثمكَ فتكونَ مِن أصحابِ النّار وذلكَ جزاءُ الظالمينَ. فطوّعتْ له نفسُه قتلَ أخيه فقتله فأصبح مِنَ الخاسرينَ. فبعث اللهُ غُرابًا يبحثُ في الأرض لِيُريَهُ كيفَ يُواري سوأةَ أخيه قال يا ويلتا أعجَزتُ أنْ أكونَ مثلَ هذا الغرابِ فأواريَ سوأةَ أخي فأصبح مِنَ النّادمينَ. مِن أجلِ ذلكَ كتبْنا على بني إسرائيلَ أنّه مَن قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرضِ فكأنّما قَتلَ النّاس جميعًا ومَن أحياها فكأنّما أحيى النّاسَ جميعًا) المائدة 27-32.
قال أحمد:
أيّ منهما قابيل؟ وأيّ منهما هابيل؟
قال محمود:
لا يهمّ لا سيما وأن الله تعالى لم يبيّن ذلك.
قال أحمد:
لماذا لم يذكرهما الله بالاسم؟
قال محمود:
لحكمة يعلمها الله، لا سيما وأنه ذكر أسماء من هذا القبيل، مثل: جبريل، وميكائيل، وإسماعيل، وإسرائيل.
وقد تكون الحكمة أننا لا نعرف قابيل من هابيل، كما لا نعرف في الفتن مَن القاتل ومَن القتيل! مَن قتل مَن؟
قال أحمد:
ماذا قال المفسّرون؟
قال محمود:
يبدو أن المفسّرين مختلفون أيضًا فيهما.
وبعضهم يجزم أن قابيل هو القاتل.
قال أحمد:
هل اسم قابيل مستمد من أن قربانه لم يُقبل؟
قال محمود:
احتمال.
قال أحمد:
واسم هابيل هل هو مستمد من الهبَل، لأنه قتل أخاه؟
قال محمود:
محتمل، لا سيما وأن الغُراب هو الذي علّمه كيف يدفن أخاه!
ويحتمل أن يكون قابيل مأخوذًا من اعتراضه على القبول، وهابيل من اعتبار قاتله مهبولاً!
قال أحمد:
هل هذان الاسمان من الأسماء المستعارة للقصة؟
قال محمود:
ممكن، لكن القصة حقيقية! ولعلّ هذا معنى قوله تعالى: (بالحق).
قال أحمد:
ما معنى: بسطتَ إليّ يدكَ لتقتلني؟
قال محمود:
مددتَ.
قال أحمد:
لماذا قتل أخاه ولا ذنبَ له؟
قال محمود:
الغيرة والحسد! قالوا: الحسد أول جريمة ظهرتْ على وجه الأرض!
قال أحمد:
هل هذا هو أول من سنّ القتل في البشر؟
قال محمود:
هكذا قال المفسّرون، لا سيما وأنه ابنُ آدم، وأدمُ أبو البشر!
فما قَتل بعده أحدٌ أحدًا، إلا كان له من إثمه نصيب!
إثمه: بالثاء، لا بالسين.
قال أحمد:
هل أفهم، من قوله: إني أخاف الله، أن الآخر لا يخاف الله؟
قال محمود:
نعم القاتل لا يخاف الله، ولا يُدخل اليوم الآخر في حسابه، بخلاف أخيه فقد جاء في القرآن أنّه من المتقين، وأنّه يخاف الله ربّ العالمين!
قال أحمد:
هل قوله: (إنّما يَقبلُ اللهُ مِنَ المتقينَ) فيه استفزاز لأخيه؟
قال محمود:
يحتمل احتمالاً آخرَ، وهو دعوة أخيه لأن يكون مِنَ المتقين!
قال أحمد:
ربما لم يقتل أخاه عن ضعف!
قال محمود:
على العكس، ذكر المفسّرون أنه هو الأقوى!
ولم يكن حريصًا على قتل أخيه، فلو كان كذلك لكان مصيره إلى النار كأخيه!
قال أحمد:
ما معنى: تبوء بإثمي وإثمك؟
قال محمود:
قد يكون المعنى أنك ستتحملُ إثمَ القتل، وسينقل اللهُ الإثم عنّي إليك! أما أنا فسيغفر اللهُ لي، إن شاء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال أحمد:
الناس اليوم لديهم الميلُ إلى الاقتصاص، ولديهم الميلُ إلى حبّ السلطة. كلّ واحد يحبّ أن يكون صاحب سلطة ومال ونفوذ وظهور!
قال محمود:
هدده بالقتل، ولم يهدده الآخر، بل العكس، طمأنه بأنه لن يكون قاتلاً!
قال أحمد:
ماذا نستفيد من القصة؟
قال محمود:
لو أن كلاً منهما يُحِبّ القتل في الدنيا لما بقي أحدٌ على وجه الأرض!
قال أحمد:
وماذا نستفيد أيضًا؟
قال محمود:
أحدهما متطرّف، والآخر متسامح!
إذا لم تكن السماحة مِن واحدٍ منهما، ماذا ستكون النتيجة؟
قال أحمد:
مَن الذي كان صاحب السماحة؟
قال محمود:
الذي يخافُ اللهَ ربّ العالمين!
قال أحمد:
هذه القصة تدخل في شرع من قبلنا، هل هي شرع لنا؟
قال محمود:
نعم، لأنه لم يَرِدْ في شرعنا ما يُخالفها.
ويحتمل أن يكون قد تنازل عن حقّه في الدفاع عن نفسه، حقنًا للدماء، وهربُا من الفتن!
قال أحمد:
لقد أغنيتني يا محمود عن الرجوع إلى تفاسير كثيرة، وجدتُ فيها الكثير من الإسرائيليات والتشويش والغموض والتطويل والإملال!
بارك الله فيك!
الجمعة 17 نيسان 2015 رفيق يونس المصري
No comments:
Post a Comment