كتاب معاوية إلى علي عليه السلام (1) :
بسم الله الرحمن الرحيم
من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب . سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه ، وجعله الأمين على وحيه ، والرسول إلى خلقه ، واجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ، فكانوا في منار لهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام . فكان أفضلهم في إسلامه ، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده ، وخليفة خليفته ، والثالث الخليفة المظلوم عثمان ، فكلهم حسدت ، وعلى كلهم بغيت . عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، وفي قولك الهجر ، وفي تنفسك الصعداء ، وفي إبطائك عن الخلفاء ، تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش (2) حتى تبايع وأنت كاره . ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان ، وكان أحقهم ألا تفعل به ذلك في قرابته وصهره ، فقطعت رحمه ، وقبحت محاسنه ، وألبت الناس عليه ، وبطنت وظهرت ، حتى ضربت إليه آباط الإبل ، وقيدت إليه الخيل العراب ، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله ، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة (3) ، لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل . فأقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا ، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه . وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين : إيواؤك قتلة عثمان ، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك (4) . وقد ذكر لي أنك تنصل من دمه ، فإن كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به ، ونحن أسرع [ الناس ] إليك . وإلا فإنه فليس لك ولا لأصحابك إلا السيف . والذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال ، والبر والبحر ، حتى يقتلهم الله ، أو لتلحقن أرواحنا بالله . والسلام .
فكتب إليه علي عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان . أما بعد فإن أخا خولان قدم على بكتاب منك تذكر فيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما أنعم الله عليه به من الهدى والوحي . والحمد لله الذي صدقه الوعد ، وتمم له النصر (5) ، ومكن له في البلاد ، وأظهره على أهل العداء (6) والشنآن ، من قومه الذين وثبوا به ، وشنفوا له (7) ، وأظهروا له التكذيب ، وبارزوه بالعداوة ، وظاهروا على إخراجه وعلى إخراج أصحابه [ وأهله ] ، وألبوا عليه العرب ، وجامعوهم على حربه ، وجهدوا في أمره كل الجهد ، وقلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله وهم كارهون . وكان أشد الناس عليه ألبة (8) أسرته والأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصمه الله (9) يا ابن هند . فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا ، ولقد قدمت فأفحشت ، إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفينا ، فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر ، أو كداعي مسدده إلى النضال (10) . وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ، فكانوا في منازلهم عنده عل قدر فضائلهم في الإسلام ، فكان أفضلهم ـ زعمت ـ في الإسلام ، وأنصحهم لله ورسوله الخليفة ، وخليفة الخليفة . ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم ، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد . رحمهما الله وجزاهما بأحسن الجزاء (11) . وذكرت أن عثمان كان في الفضل ثالثا (12) ، فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه ، وإن يك مسيئا فسيلقي ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره . ولعمر الله إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ورسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر . إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا ـ أهل البيت ـ أول من آمن به ، وصدق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرمة (13) وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبينا ، واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، فمنعونا الميرة ، وأمسكوا عنا العذب (14) ، وأحلسونا الخوف (15) ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقتلوه ويمثلوا به . فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم ، فعزم الله لنا على منعه ، والذب عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار (16)(17)(18 ) ، جزاهم الله بأحسن أعمالهم . وذكرت (19)، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب ، وكافرنا يحامي به عن الأصل . فأما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء ، فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن . فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ، ثم أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمر البأس ودعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف ، فقتل عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد لله من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة ، إلا أن آجالهم عجلت ، ومنيته أخرت . والله مولى الإحسان إليهم ، والمنان عليهم ، بما قد أسلفوا من الصالحات . فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح لله في طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربه ، ولا أصبر على اللأواء والضراء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هؤلاء النفر الذين سميت لك . وفي المهاجرين خير كثير نعرفه حسدي الخلفاء ، وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم . فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى الناس ، لأن الله جل ذكره لما قبض نبيه صلى الله عليه وسلم قالت قريش : منا أمير ، وقالت الأنصار : منا أمير . فقالت قريش : منا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن أحق بذلك الأمر . فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية والسلطان . فإذا استحقوها بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم دون الأنصار فإن أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أحق بها منهم . وإلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا . [ بل ] عرفت أن حقي هو المأخوذ ، وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم . وأما ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمه ، وتأليبي عليه فإن عثمان عمل ما [ قد ] بلغك ، فصنع الناس [ به ] ما قد رأيت وقد علمت . إني كنت في عزلة عنه ، إلا أن تتجني ، فتجن ما بدا لك . وأما ما ذكرت من أمر قتله عثمان فإني نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك . ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ، ولا يكلفونك أن تطلبهم في بر ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل . وقد كان أبوك أتاني حين ولي الناس أبا بكر فقال : أنت أحق بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر ، وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك . ابسط يدك أبايعك . فلم أفعل . وأنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك وأراده حتى كنت أنا الذي أبيت ؛ لقرب عهد الناس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام . فأبوك كان أعرف بحقي منك . فإن تعرف من حقي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك ، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك والسلام .
( 1 ) انظر هذا الكتاب أيضا في العقد ( 3 : 107 ) .
( 2 ) المخشوش : الذي جعل في عظم أنفه الخشاش ، وهو بالكسر ، عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع في انقياده .
( 3 ) الهائعة : الصوت الشديد .
( 4 ) بطانة الرجل : خاصته وصاحب سره . وفي الأصل : « بطاشك » صوابه في ح .
( 5 ) ح : « وأيده بالنصر » .
( 6 ) في الأصل : « العدى » تحريف . وفي ح : « العداوة » .
( 7 ) شنف له يشنف شنفا ، من باب تعب : أبغضه . وفي الحديث في إسلام أبي ذر : « فإنهم قد شنفوا له » ، أي أبغضوه .
( 8 ) الألبة : المرة من الألب ، وهو التحريض . والذي في ح : « تأليبا وتحريضا » .
( 9 ) الكلام بعد هذه إلى كلمة : « النضال » لم يرد في ح .
( 10 ) التسديد : التعليم . أي كمن يدعو من علمه النضال إلى النضال .
( 11 ) ح : « وجزاهما أحسن ما عملا » .
( 12 ) ح : « تاليا » :
( 13 ) أي سنين كاملة . والمجرمة ، بتشديد الراء المفتوحة .
( 14 ) الميرة ، بالكسر : ما يجلب من الطعام . والعذب ، عنى به الماء العذب .
( 15 ) أي ألزموناه . انظر ح ( 3 : 304 ) . وفي الأصل : « وأحلسوا » صوابه في ح ( 3 : 303 ، 408 ) .
( 16 ) في الأصل : « والليل والنهار » ، وأثبت ما في ح .
( 17 ) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف . وهو أول من عقدت له راية في الإسلام . انظر الإصابة 5367 . وقد تزوج الرسول الكريم زوجته زينب بنت خزيمة بعده . انظر المعارف 59 .
( 18 ) ح ( 3 : 409 ) : « خير كثير يعرف » .
( 19 ) في الأصل : « فذكرت » صوابه بالواو ، كما في ح
تحرير
Persl AL_Persl
2009-7-31





( 1 ) انظر هذا الكتاب أيضا في العقد ( 3 : 107 ) .
( 2 ) المخشوش : الذي جعل في عظم أنفه الخشاش ، وهو بالكسر ، عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع في انقياده .
( 3 ) الهائعة : الصوت الشديد .
( 4 ) بطانة الرجل : خاصته وصاحب سره . وفي الأصل : « بطاشك » صوابه في ح .
( 5 ) ح : « وأيده بالنصر » .
( 6 ) في الأصل : « العدى » تحريف . وفي ح : « العداوة » .
( 7 ) شنف له يشنف شنفا ، من باب تعب : أبغضه . وفي الحديث في إسلام أبي ذر : « فإنهم قد شنفوا له » ، أي أبغضوه .
( 8 ) الألبة : المرة من الألب ، وهو التحريض . والذي في ح : « تأليبا وتحريضا » .
( 9 ) الكلام بعد هذه إلى كلمة : « النضال » لم يرد في ح .
( 10 ) التسديد : التعليم . أي كمن يدعو من علمه النضال إلى النضال .
( 11 ) ح : « وجزاهما أحسن ما عملا » .
( 12 ) ح : « تاليا » :
( 13 ) أي سنين كاملة . والمجرمة ، بتشديد الراء المفتوحة .
( 14 ) الميرة ، بالكسر : ما يجلب من الطعام . والعذب ، عنى به الماء العذب .
( 15 ) أي ألزموناه . انظر ح ( 3 : 304 ) . وفي الأصل : « وأحلسوا » صوابه في ح ( 3 : 303 ، 408 ) .
( 16 ) في الأصل : « والليل والنهار » ، وأثبت ما في ح .
( 17 ) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف . وهو أول من عقدت له راية في الإسلام . انظر الإصابة 5367 . وقد تزوج الرسول الكريم زوجته زينب بنت خزيمة بعده . انظر المعارف 59 .
( 18 ) ح ( 3 : 409 ) : « خير كثير يعرف » .
( 19 ) في الأصل : « فذكرت » صوابه بالواو ، كما في ح
المصدر
كتاب
وقعة صفين
صفحة
86-87-88-89-90-91
لنصر بن مزاحم المنقري
كتاب
وقعة صفين
صفحة
86-87-88-89-90-91
لنصر بن مزاحم المنقري
تحرير
Persl AL_Persl
2009-7-31
Get your new Email address!
Grab the Email name you've always wanted before someone else does!
--~--~---------~--~----~------------~-------~--~----~
أنت تستلم هذه الرسالة كونك فرداً في مجتمعنا الالكتروني الصغير +18
للانضمام للمجموعة أو إرسال رسائل لها ارسل للعنوان التالي
plus18@googlegroups.com
للتسجيل المباشر في المجموعة ارسل رسالة فارغة الى العنوان التالي
plus18+subscribe@googlegroups.com
وتأكد من تفعيل الاشتراك عن طريق الضغط على الرابط الأول في الرسالة المستلمة
البنود والخيارات - مهمة
http://groups.google.com/group/plus18/web/hithere
لإلغاء اشتراكك في المجموعة أرسل رسالة الى العنوان التالي وأكد بالرد
plus18+unsubscribe@googlegroups.com
(((شاركنا الابتسامة)))
-~----------~----~----~----~------~----~------~--~---
No comments:
Post a Comment